الصيد مع العفريت
يحكى أنه كان هناك رجل صياد طاعن في السن له زوجة وثلاثة أولاد، كان فقير الحال و من عادته أنه إذا ذهب ليصطاد كان يرمي شبكته أربع مرات فقط. و ذات يوم وقت الظهر إلى شاطئ البحر وطرح شبكته وصبر إلى أن استقرت في الماء ثم جمعها ، فوجدها ثقيلة فجذبها فلم يقدر على ذلك و مازال يحاول إلى أن أخرجها فوجد فيها حمارا ميتا ، اندهش و حزن و قال : لا حول و لا قوة إلا بالله قم أنشد قوله: يا خائضًا في ظلام الله والهلكة ***** أقصر عنك فليس الرزق بالحركة فخلص الصياد الحمار من الشبكة و عاود الكرة فرمى الشبكة في البحر فإذا هي ثقيلة فحاول إخراجها مرة أخرى فلم يقدر ولبث يحاول حتى أخرجها ففرح و لكنه اندهش لما رأى رملا و طينا فقط فأنشد مرة أخرى قول الشاعر: يا حرقــة الدهر كفي **** إن لم تكــفي فعـــفي **** فـلا يحــظى أعطي ولا يــصـنعه كـفي **** خرجـت أطــلب رزقي **** وجـدت رزقـي توفي ثم إنه نظف شبكته مرة أخرى و رماها في البحر واستغفر الله وصبر عليها حتى استقرت وجذبها فوجد فيها شفافة وقوارير فأنشد قول الشاعر: هو الرزق لا حل لديك ولا ربط ولا قلم يجدي عليك ولا خط. ثم أنه رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إنك تعلم أني لن أرم شبكتي إلا أربع مرات وقد رميت ثلاثا، سمى الله ورمى الشبكة في البحر وصبر إلى أن استقرت وجذبها فلم يطق جذبها وإذا بها اشتبكت في الأرض فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله وغطس في البحر ، فخلصها و رفها إلى الشاطئ وفتحها فوجد فيها قمقما من نحاس أصفر ملآن وفمه مختوم برصاص عليه طبع خاتم سيدنا سليمان ، فلما رآه الصياد فرح وقال هذا أبيعه في سوق النحاس فإنه يساوي عشرة دنانير ذهبا ، ثم حركه فوجده ثقيلًا فقال: لا بد أن أفتحه وأنظر ما فيه وأخرج سكينا وفتح القمقم وهزه ليرى ما فيه فلم ينزل منه شيء ولكن خرج دخان صعد إلى السماء ومشى على وجه الأرض فتعجب غاية العجب وبعد ذلك تكامل الدخان، واجتمع ثم انتفض فصار عفريتًا رأسه في السحاب ورجلاه في التراب برأس كالقبة وأيدي كالمداري ورجلين كالصواري، وفم كالمغارة، وأسنان كالحجارة، ومناخير كالإبريق، وعينين كالسراجين، أشعث أغبر ، لما رأى الصياد ذلك العفريت ارتعد وتشبكت أسنانه ونشف ريقه ، فلما رآه العفريت قال لا إله إلا الله سليمان نبي الله ، يا نبي الله لا تقتلني فإني لا عدت أخالف لك قولًا ولا أعصي لك أمراً، فقال له الصياد: أيها المارد أتقول سليمان نبي الله وسليمان مات من مدة ألف وثمانمائة سنة، ونحن في آخر الزمان فما قصتك؟ وما حديثك؟ وما سبب دخولك إلى هذا القمقم ؟ فقال المارد: لا إله إلا الله أبشر يا صياد، فقال الصياد: بماذا تبشرني ؟ فقال: بقتلك في هذه الساعة أشر القتل ، فقال الصياد: لأي شيء تقتلني ؟ وأي شيء يوجب قتلي وقد خلصتك من القمقم ونجيتك من قرار البحر؟ فقال العفريت: تمن علي أي طريقة تريد الموت بها؟ فقال الصياد: ما ذنبي حتى يكون هذا جزائي منك؟ فقال العفريت: اسمع حكايتي يا صياد، قال الصياد: أوجز في الكلام فإن روحي وصلت إلى قدمي. فقال: اعلم أني من الجن المارقين، وقد عصيت سليمان بن داود فأرسل لي وزيره آصف ابن برخيا فأتى بي مكرهًا وقادني إليه وأنا ذليل على رغم أنفي وأوقفني بين يديه فلما رآني سليمان استعاذ مني وعرض علي الإيمان والدخول تحت طاعته فأبيت ، فحبسني في هذا القمقم وختم علي بالرصاص وطبعه بالاسم الأعظم، وأمر الجن فاحتملوني وألقوني في وسط البحر فأقمت مائة عام وقلت في قلبي كل من خلصني أغنيه إلى الأبد ، فمرت المائة عام ولم يخلصني أحد، ودخلت مائة أخرى فقلت كل من خلصني فتحت له كنوز الأرض، فلم يخلصني أحد ، فمرت علي أربعمائة عام أخرى فقلت كل من خلصني أقضي له ثلاث حاجات فلم يخلصني أحد فغضبت غضبًا شديدًا وقلت في نفسي كل من خلصني في هذه الساعة قتلته ومنيته كيف يموت وها أنت خلصتني ومنيتك كيف تموت ، فلما سمع الصياد كلام العفريت قال: يا للعجب أنا ما جئت أخلصك إلا في هذه الأيام ؟ اعف عن قتلي يعف الله عنك، ولا تهلكني يسلط الله عليك من يهلكك، فقال: لا بد من قتلك تمنى علي أي موتة تموت؟ فقال الصياد: لقد صنعت معك جميلا و ها أنت تقابلني بالقبيح ، اعف عني إكرامًا لأني أعتقتك ، فقال العفريت: وأنا ما أقتلك إلا لأجل ما خلصتني، فقال الصياد: لم يكذب المثل حيث قال: فعلنا جميلًا قابلونا بضده وهذا لعمري من فعال الفواجر، ومن يفعل المعروف مع غير أهله يجازى كما جوزي مجير أم عامر. فقال العفريت: لا تطمع فلا بد من موتك، قال الصياد في قلبه: هذا جني وأنا إنسي وقد أعطاني الله عقلًا كاملًا وها أنا أدبر أمرًا في هلاكه بحيلتي وعقلي وهو يدبر بخبثه، فقال للعفريت: هل صممت على قتلي؟ فقال: نعم، فقال له: بالاسم الأعظم المنقوش على خاتم سليمان أسألك عن شيء وتصدقني القول فيه، فقال: نعم لكن اسأل وأوجز، فقال له: كيف كنت في هذا القمقم وهو لا يسع يدك ولا رجلك ؟ فقال العفريت: وهل أنت لا تصدق أنني كنت فيه ؟ فقال الصياد: لا أصدق أبدًا حتى أشاهدك بعيني ، فانتفض العفريت وصار دخانًا واجتمع ثم دخل في القمقم وإذا بالصياد أسرع وأخذ سدادة الرصاص المختومة وسد بها فم القمقم ونادى العفريت قائلا: تمن علي أي موتة تموت ؟ سأرميك في البحر وأبني منزلي هنا لأخبر كل من يصطاد هنا أن هنا عفريتا شريرا ، فلما سمع العفريت كلام الصياد أراد الخروج فلم يقدر ورأى نفسه محبوسًا ورأى عليه طابع خاتم سليمان وعلم أن الصياد سجنه ، فقام الصياد و أخذ القمقم إلى جهة البحر فقال له العفريت: لا لا ... فقال الصياد: لابد لابد، فحاول العفريت أن يلطف كلامه و قال للصياد: ماذا ستفعل بي أيها الصياد؟ فقال: ألقيك في البحر و تمكث هنا إلى أن تقوم الساعة ، أما قلت لك أبقيني يبقيك الله ولا تقتلني يقتلك الله فأبيت قولي وما أردت إلا غدري فألقاك الله في يدي فغدرت بك، فقال العفريت: افتح لي حتى أحسن إليك ، فقال الصياد: تكذب يا ملعون ، فرماه في البحر.
يحكى أنه كان هناك رجل صياد طاعن في السن له زوجة وثلاثة أولاد، كان فقير الحال و من عادته أنه إذا ذهب ليصطاد كان يرمي شبكته أربع مرات فقط. و ذات يوم وقت الظهر إلى شاطئ البحر وطرح شبكته وصبر إلى أن استقرت في الماء ثم جمعها ، فوجدها ثقيلة فجذبها فلم يقدر على ذلك و مازال يحاول إلى أن أخرجها فوجد فيها حمارا ميتا ، اندهش و حزن و قال : لا حول و لا قوة إلا بالله قم أنشد قوله: يا خائضًا في ظلام الله والهلكة ***** أقصر عنك فليس الرزق بالحركة فخلص الصياد الحمار من الشبكة و عاود الكرة فرمى الشبكة في البحر فإذا هي ثقيلة فحاول إخراجها مرة أخرى فلم يقدر ولبث يحاول حتى أخرجها ففرح و لكنه اندهش لما رأى رملا و طينا فقط فأنشد مرة أخرى قول الشاعر: يا حرقــة الدهر كفي **** إن لم تكــفي فعـــفي **** فـلا يحــظى أعطي ولا يــصـنعه كـفي **** خرجـت أطــلب رزقي **** وجـدت رزقـي توفي ثم إنه نظف شبكته مرة أخرى و رماها في البحر واستغفر الله وصبر عليها حتى استقرت وجذبها فوجد فيها شفافة وقوارير فأنشد قول الشاعر: هو الرزق لا حل لديك ولا ربط ولا قلم يجدي عليك ولا خط. ثم أنه رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إنك تعلم أني لن أرم شبكتي إلا أربع مرات وقد رميت ثلاثا، سمى الله ورمى الشبكة في البحر وصبر إلى أن استقرت وجذبها فلم يطق جذبها وإذا بها اشتبكت في الأرض فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله وغطس في البحر ، فخلصها و رفها إلى الشاطئ وفتحها فوجد فيها قمقما من نحاس أصفر ملآن وفمه مختوم برصاص عليه طبع خاتم سيدنا سليمان ، فلما رآه الصياد فرح وقال هذا أبيعه في سوق النحاس فإنه يساوي عشرة دنانير ذهبا ، ثم حركه فوجده ثقيلًا فقال: لا بد أن أفتحه وأنظر ما فيه وأخرج سكينا وفتح القمقم وهزه ليرى ما فيه فلم ينزل منه شيء ولكن خرج دخان صعد إلى السماء ومشى على وجه الأرض فتعجب غاية العجب وبعد ذلك تكامل الدخان، واجتمع ثم انتفض فصار عفريتًا رأسه في السحاب ورجلاه في التراب برأس كالقبة وأيدي كالمداري ورجلين كالصواري، وفم كالمغارة، وأسنان كالحجارة، ومناخير كالإبريق، وعينين كالسراجين، أشعث أغبر ، لما رأى الصياد ذلك العفريت ارتعد وتشبكت أسنانه ونشف ريقه ، فلما رآه العفريت قال لا إله إلا الله سليمان نبي الله ، يا نبي الله لا تقتلني فإني لا عدت أخالف لك قولًا ولا أعصي لك أمراً، فقال له الصياد: أيها المارد أتقول سليمان نبي الله وسليمان مات من مدة ألف وثمانمائة سنة، ونحن في آخر الزمان فما قصتك؟ وما حديثك؟ وما سبب دخولك إلى هذا القمقم ؟ فقال المارد: لا إله إلا الله أبشر يا صياد، فقال الصياد: بماذا تبشرني ؟ فقال: بقتلك في هذه الساعة أشر القتل ، فقال الصياد: لأي شيء تقتلني ؟ وأي شيء يوجب قتلي وقد خلصتك من القمقم ونجيتك من قرار البحر؟ فقال العفريت: تمن علي أي طريقة تريد الموت بها؟ فقال الصياد: ما ذنبي حتى يكون هذا جزائي منك؟ فقال العفريت: اسمع حكايتي يا صياد، قال الصياد: أوجز في الكلام فإن روحي وصلت إلى قدمي. فقال: اعلم أني من الجن المارقين، وقد عصيت سليمان بن داود فأرسل لي وزيره آصف ابن برخيا فأتى بي مكرهًا وقادني إليه وأنا ذليل على رغم أنفي وأوقفني بين يديه فلما رآني سليمان استعاذ مني وعرض علي الإيمان والدخول تحت طاعته فأبيت ، فحبسني في هذا القمقم وختم علي بالرصاص وطبعه بالاسم الأعظم، وأمر الجن فاحتملوني وألقوني في وسط البحر فأقمت مائة عام وقلت في قلبي كل من خلصني أغنيه إلى الأبد ، فمرت المائة عام ولم يخلصني أحد، ودخلت مائة أخرى فقلت كل من خلصني فتحت له كنوز الأرض، فلم يخلصني أحد ، فمرت علي أربعمائة عام أخرى فقلت كل من خلصني أقضي له ثلاث حاجات فلم يخلصني أحد فغضبت غضبًا شديدًا وقلت في نفسي كل من خلصني في هذه الساعة قتلته ومنيته كيف يموت وها أنت خلصتني ومنيتك كيف تموت ، فلما سمع الصياد كلام العفريت قال: يا للعجب أنا ما جئت أخلصك إلا في هذه الأيام ؟ اعف عن قتلي يعف الله عنك، ولا تهلكني يسلط الله عليك من يهلكك، فقال: لا بد من قتلك تمنى علي أي موتة تموت؟ فقال الصياد: لقد صنعت معك جميلا و ها أنت تقابلني بالقبيح ، اعف عني إكرامًا لأني أعتقتك ، فقال العفريت: وأنا ما أقتلك إلا لأجل ما خلصتني، فقال الصياد: لم يكذب المثل حيث قال: فعلنا جميلًا قابلونا بضده وهذا لعمري من فعال الفواجر، ومن يفعل المعروف مع غير أهله يجازى كما جوزي مجير أم عامر. فقال العفريت: لا تطمع فلا بد من موتك، قال الصياد في قلبه: هذا جني وأنا إنسي وقد أعطاني الله عقلًا كاملًا وها أنا أدبر أمرًا في هلاكه بحيلتي وعقلي وهو يدبر بخبثه، فقال للعفريت: هل صممت على قتلي؟ فقال: نعم، فقال له: بالاسم الأعظم المنقوش على خاتم سليمان أسألك عن شيء وتصدقني القول فيه، فقال: نعم لكن اسأل وأوجز، فقال له: كيف كنت في هذا القمقم وهو لا يسع يدك ولا رجلك ؟ فقال العفريت: وهل أنت لا تصدق أنني كنت فيه ؟ فقال الصياد: لا أصدق أبدًا حتى أشاهدك بعيني ، فانتفض العفريت وصار دخانًا واجتمع ثم دخل في القمقم وإذا بالصياد أسرع وأخذ سدادة الرصاص المختومة وسد بها فم القمقم ونادى العفريت قائلا: تمن علي أي موتة تموت ؟ سأرميك في البحر وأبني منزلي هنا لأخبر كل من يصطاد هنا أن هنا عفريتا شريرا ، فلما سمع العفريت كلام الصياد أراد الخروج فلم يقدر ورأى نفسه محبوسًا ورأى عليه طابع خاتم سليمان وعلم أن الصياد سجنه ، فقام الصياد و أخذ القمقم إلى جهة البحر فقال له العفريت: لا لا ... فقال الصياد: لابد لابد، فحاول العفريت أن يلطف كلامه و قال للصياد: ماذا ستفعل بي أيها الصياد؟ فقال: ألقيك في البحر و تمكث هنا إلى أن تقوم الساعة ، أما قلت لك أبقيني يبقيك الله ولا تقتلني يقتلك الله فأبيت قولي وما أردت إلا غدري فألقاك الله في يدي فغدرت بك، فقال العفريت: افتح لي حتى أحسن إليك ، فقال الصياد: تكذب يا ملعون ، فرماه في البحر.